عاجل
الأحد 19 مايو 2024

التأميم على الطريقة اليابانية




فى أعقاب الزلزال المدمر الذى ضرب اليابان وأدى إلى تفجير عدة محطات كهربائية تعمل بالطاقة النووية تأثر الاقتصاد اليابانى تأثرًا شديدًا وغرق فى دائرة الإنكماش والركود الاقتصادى.


 ولكن صناع السياسة النقدية والاقتصادية هناك تفتق ذهنهم عن انتهاج أسلوب حديث للتأميم ولكنه تأميم اختيارى لعدة مصانع تعمل فى مجال الإلكترونيات والمعدات والصناعات المتطورة الأخرى التى أغلقت أبوابها وتوقفت عن العمل، وأسفر ذلك عن تراجع الإنتاج الصناعى اليابانى على نحو غير مسبوق.


ويعتمد أسلوب تأميم الصناعات اليابانى على قيام الحكومة اليابانية باعتماد حوالى تريليونى ين يابانى من الأموال العامة أى من أموال دافعى الضرائب لإعداد برنامج لشراء المصانع المتعثرة اختياريًا من أًصحابها ثم إعادة تأجير هذه المصانع لأصحابها مرة أخرى، يعنى ذلك تقديم دعم مباشر وصريح لأصحاب هذه المصانع لإقالتها من عثرتها المالية وإعادة تشغيلها مرة أخرى.


ولقد اعترض الشركاء التجاريون لليابان وهم الدول الصناعية الكبرى لأن مثل هذا البرنامج لشراء الأصول يعتبر خرقًا صريحًا وانتهاكًا واضحًا لقواعد منظمة التجارة العالمية (WTO) حيث يتضمن هذا البرنامج تقديم دعم أو إعانات صناعية وهو يتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية بشأن معايير التجارة الحرة والتى تقضى بعدم تقديم دعم صناعي للتأثير المباشر وغير المباشر على التنافسية أو على المقدرة التنافسية الصناعية.


ولكن الحكومة اليابانية قد أقدمت على برنامج التأميم الاختيارى مضطرة وعلى خلفية كارثة طبيعية ألمت باقتصادها وأراضيها، ومن ثم يتعين عليها اتخاذ ما تراه من إجراءات لإعادة هذه المصانع المتعثرة إلى العمل والإنتاج، ولاسيما أن إنتاجها الصناعى قد تناقص وتراجع، ولا نرى فى ذلك أى انتهاك لقواعد التجارة الحرة، فهى لا تقدم دعمًا صناعيًا مجرداّ من أجل الدعم، بل تقوم بإعادة تأهيل مصانع متعثرة للعمل بعد كارثة طبيعية ألمت بالبلاد وبالعباد هناك.


ويتزامن برنامج التأميم الاختيارى اليابانى أو برنامج شراء الأصول مع تبنى السلطات النقدية اليابانية لعدة سياسات تهدف لخروج اليابان من دائرة الانكماش الاقتصادى، حيث تستهدف السياسة النقدية فى اليابان ولأول مرة فى تاريخها معدل تضخم مستهدفا فى حدود 2% كما تستهدف السياسة الاقتصادية معدل نمو سنوى بواقع 3% وفى سبيل ذلك تبنت سياسة نقدية توسعية، فضلًا عن الإبقاء على أسعار الفائدة المتدنية على الين كما هى، وتهدف السياسة النقدية التوسعية فى اليابان إلى استهداف خفض فى قيمة الين اليابانى ليكون فى حدود 90 ين يابانى للدولار الأمريكى.


ويعارض الشركاء التجاريون لليابان كلا من برنامج التأميم الاختيارى والسياسة النقدية التوسعية لتأثيرهما المباشر على تخفيض قيمة الين اليابانى أمام العملات العالمية الرئيسية القابلة للتحويل، حيث سيسفر ذلك عن تراجع صادرات شركاء اليابان التجاريين وعن زيادة صادرات اليابان، ولكن الحكومة اليابانية ماضية قدمًا فى سياساتها ولم تكثرث باعتراضات شركائها التجاريين الذين يبحثون عن مصالحهم التجارية فقط، يالها من حكومة تعرف ما تريد.


ويرى بعض المحللين الماليين أن اليابان تقامر بمستقبل الين اليابانى إذا ما استمرت فى سياسات تخفيض قيمته الخارجية، حيث سيسفر ذلك عن تاّكل جانب من الأصول المصرفية اليابانية حيث تحتفظ البنوك اليابانية بمحفظة من السندات الحكومية اليابانية تبلغ حوالى تسعة أضعاف رؤوس أموال البنوك اليابانية مجتمعة.


 ومن ثم فإن التخفيض المستمر فى قيمة الين اليابانى يقلل من القيمة السوقية والحقيقية لهذه السندات، لذلك فإن تراجع قيمة الين فى ظل هذه المؤشرات قد ينذر بوقوع كارثة مصرفية، لكن دفع الصادرات وإعادة تشغيل المصانع أجدى اقتصاديًا من وجهة نظر الحكومة اليابانية ومن كل هذه الحسابات المالية التى لن تعيد المصانع إلى العمل ولن تزيد الصادرات، هكذا تفكر الحكومة اليابانية، فمتى تحاكيها الحكومات الأخرى.


ولا شك أن جوهر السياسات النقدية والاقتصادية للحكومة اليابانية قد ارتكز على إعادة الاقتصاد الحقيقى المنتج إلى التشغيل الكامل، ولم يكترث بالفكر المالى التجميلى، لأن حصيلة السندات الضخمة التى طرحتها قد تم استخدامها فى إعادة تشغيل المصانع، وبالفعل تعافى الإقتصاد اليابانى فى غضون سنوات قليلة مسجلاّ معدلات نمو إيجابية وخرج بسرعة من دائرة الركود، ولم تتحقق الكارثة المصرفية التى حذر منها أصحاب الفكر المالى التجميلى والسطحى.