عثمان أحمد عثمان.. المقاول الميكانيكي «أبو معزة»

«تعودت أن أجيد الحوار بالعمل دائمًا، لأنه وبكل بساطة يغنيني عن كل الكلمات.. فالعمل وحده يجيب في النهاية على كل ما يثار من تساؤلات، فلست من مريدي الرقص على السلالم وإن كان ذلك على حساب أن أسكن الكالوس».. لم تكن تلك الكلمات مقدمة لفيلم كلاسيكي سطره عشاق الفن السابع؛ ممن ادخروا لأدوار الإبداع الفني، بقدر كونها كلمات لمصري تخرج في مدرسة الحياة، بعد أن ذاق مرارة الدنيا وأبى أن يظهر نفسه في ثياب العز الزائف على أن يسطر لنفسه تاريخًا يكتب لنفسه شعرًا مثله بعد أن يفارق ميدان الدنيا مغادرًا لقبره..
«عثمان أحمد عثمان» إمبراطور المقاولين.. المقاول الشرس.. الولد الشقي.. الوزير الميكانيكي.. سمه ما شئت من الأسماء.. فتاريخ مؤسس «شركة المقاولون العرب» العنوان العقاري الأوحد للسوق العقارية بمصر والشرق الأوسط، أرض خصبة لنثر بذور المدح الذاتي خصوصًا إذا ما اقترنت سيرته بالتجارب العملية.. ابن محافظة الإسماعيلية المولود عام 1917، شب منذ نعومة أظافره على حلم العمل بالمقاولات، فعشق الهندسة حتى حصل عليها من جامعة القاهرة عام 1940، متخطيًا في ذلك عقبات كانت أبسطها هو وفاة والده وهو في سن الثالثة من عمره وتكفل والدته بالإنفاق عليه..
يُعد عثمان أحمد عثمان أبرز من ساهموا في بناء السد العالي، ومؤسس شركة المقاولون العرب، من كبرى شركات المقاولات فى الشرق الأوسط وأفريقيا فى أعمال التشييد والبناء مثل الكباري والطرق والأنفاق والمطارات ومشروعات المياه والصرف الصحي.. فهو وبدون غرور يعد من الشخصيات المؤثرة في تاريخ البناء والتشيد بمصر والوطن العربي.
البداية
عنوان منزل بسيط بمدينة الإسماعيلية كان يتكون من طابق أرضي مبني بالدبش والطين وسقفه عبارة عن تعريشة من الخشب والعروق والجريد وكان يتكون من حجرتين، حجرة للتخزين وحجرة مفروشة بالحصير للنوم وليس بها دولاب او سرير وفي احد اركان البيت عشة للطيور وتعريشة الفرن الذي يعد به الخبز مرة واحدة بـالأسبوع، وكانت لديه معزة يعتبرها أحد أفراد عائلته.
تخرج مؤسس «المقاولون العرب»، من الكلية عام 1940 وعمل في المقاولات مع خاله الذى رفع مرتبه خلال عام ونصف من 12 جنيها - 24 جنيها واستطاع فى تلك الفتره البسيطة أن يحصل على الخبرة من خاله إلى جانب المال من عمله.
يقول عثمان أحمد عثمان في كتابه تجربتي: «تنازلت عن لقب المهندس طواعية من أجل أن أعمل مقاولًا ولا ينسى أن أول عمل قمت به من خلال شركتي كان إعداد رسم كروكي لدكان وفي خلال فترة بداياته أطلق عليّ عمالي لقب المعلم بعد أن شاهدوني أشاركهم في أعمال بيدي وظل هذا هو اللقب المفضل لي».
وتتطور أعمال المعلم، واتخذ له أكثر من مقر لشركته بالقاهرة ومع بداية الخمسينات سافر المعلم إلى السعودية، وهناك بدأ رحلته التي أطلق عليها رحلة الملاليم والملايين التي قال عنها فى كتابه تجربتي: «كانت قصه مثيرة وقفت في أحد فصولها في مهب الريح عندما فتشت جيوبي بعد أن دفعت حساب اللوكانده فلم أجد مليما واحدًا ووقفت في فصل آخر منها لا أعرف كيف أحمل الملايين التي سعت إلى دون أن أتوقعها».
يقول المقاول عثمن أحمد عثمان: «لا أنكر أنني أقمت العديد من الشركات الجديدة.. بلغت حتى الآن 170 شركة تساوي عندي 170 نجاحًا.. ولكن الناس لا تصدق أن عثمان أحمد عثمان لا يملك سهما واحدا في أي من هذه الشركات».
طرد الأجانب
ظل المعلم عثمان يعمل بالسعودية فترة كبيرة واستطاع بعلاقاته الممتازة أن يفتح مجالات أخرى لشركته فى الكويت والأردن والعراق وليبيا والامارات وخلال عقد الخمسينات والستينات التقى بالعديد من ملوك ورؤساء الدول التى عمل فيها.. وفي كل مكان من الدول العربية التي عمل بها المعلم عثمان كانت إيذانًا بطرد الشركات الأجنبية من هذه الدول وفتح أسواق جديدة للعمالة المصرية عن طريق عثمان أحمد عثمان وشركته.
عثمان أحمد والسد العالي
يقولون ان الأعمال العظيمة لا يحققها الا رجال عظماء وإنشاء السد العالى ملحمة كبرى استطاع المعلم ان يدخلها ويقود معركتها فى ظل حرب شرسة ولكنه خرج من تلك الحرب باسم وسمعة كبيرة له ولـ«لمقاولون العرب».
يقول المعلم عثمان فى كتابه تجربتي عن قصته مع ملحمة السد العالي: «لقد واجهت أكثر من خصم وخضت أكثر من معركة على أكثر من جبهة فى وقت واحد فوقف جميع مقاولي مصر ضدي ووقفت في مواجهتهم شركتي وحدها وكسبت العطاء وتحداني نظام الحكم في ذلك الوقت ولم يتمكن بفضل الله مني».
وتابع: «بذل الروس قصارى جهدهم من أجل دفني بين الأحجار هناك حتى يخلو لهم الجو وأعود إلى حيث أتيت. حكاية المعلم مع السد العالى بدأت عام 1961 بعد أن رسا عليه عطاء إنشاء السد العالى مقابل 15 مليون جنيه وكان هذا العطاء مفاجأة كبيرة للجميع خاصة شركات مصر مجتمعة التى تقدمت بعطاء قدره 27 مليون جنيه وكان الفارق شاسعا وكان ذلك يعنى إما أن عثمان رجل لا يعرف ماذا يفعل وإما أن اتحاد جميع مقاولي مصر أراد أن يسرق الدولة في 12 مليون جنيه ووقع عقد بناء السد العالي وأصرت الدولة على أن تدخل شركة مصر للأسمنت المسلح قطاع عام شريكا في التنفيذ مع المقاولون العرب بنسبة 50% ووافق الرجل مجبرا».
وهكذا استطاع المعلم عثمان بخبرته وكفاءته ورجاله من أبناء مصر ورغم كل الصعاب التي وضعها الروس أن يبنى السد العالى فى عشر سنوات.
تأميم
ورغم كل ذلك فقد تم تأميم شركته ولم يتركها الرجل لحظة واحدة تحت التأميم بل عمل فيها وبها حتى استطاعت أن تنجو من المصير المظلم الذي آلت إليه كل الشركات التى تم تأميمها.
المقاول وإسرائيل
بعد نكسة 67 بدأت حرب الاستنزاف واستخدمت إسرائيل طيرانها بشكل مكثف تضرب الأهداف العسكرية والمنشآت المدنية أيضًا، وكان لابد من مواجهة الذراع الطويلة عن طريق بناء قواعد الصواريخ وقد تصدى المعلم عثمان بأبناء المقاولون العرب لإنجاز هذه المهمة الانتحارية.
وافق المعلم على قبول التحدي الرهيب فالقنابل تنهال على رؤوس العمال يوميًا لهدم ما بنوه وسقط فى يوم واحد على الضفة الغربية للقناة 500 شهيد من العمال حيث إن تحدى الطيران الاسرائيلي وصل إلى أن قام بهدم إحدى القواعد بعد بنائها أكثر من خمس مرات ومع ذلك نجح أبناء المعلم في إقامتها ونصبت فيها الصواريخ التي قطعت ذراع العدو.. وفي ورش المقاولون العرب قام مهندسو القوات المسلحة بتصنيع المعدية التي حملت الطلمبات والمضخات التي فتحت الثغرات فى الساتر الترابي لخط بارليف في حرب أكتوبر المجيدة.
المقاول في الحكومة
يقول عثمان أحمد عثمان في كتابة: «وأصبحت في عهد السادات نائبا لرئيس الوزراء ووزيرًا في 3 وزارات أولها في 28 أكتوبر عام 1973 واعتــذرت في نوفمبر عام 1976 عن الاستـــمرار في العمل الوزاري، وعام 1979 اختارني المهندسون نقيبا لهم، والمرة الثانية عام 1983، بالإضافة إلى ذلك أنه كان صهر الرئيس الراحل أنور السادات».




