عاجل
السبت 18 مايو 2024

المشاركة الرابعة للسيسى فى الأمم المتحدة وتوظيف عناصر قوة الدولة المصرية

الرئيس السيسي في
الرئيس السيسي في الأمم المتحدة


تجسد المشاركة الرابعة على التوالي للرئيس عبد الفتاح السيسي، في فعاليات الاجتماعات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، قدرة القيادة السياسية على التوظيف الأمثل لعناصر قوة الدولة المصرية وتحقيق مكانة سياسية محورية تليق بالدولة المصرية في المحافل الدولية وتحديدًا في منظمة الأمم المتحدة.

كما تؤكد المشاركة المصرية الفعالة في هذا المحفل الدولي، محورية وفعالية الدور المصري في المنظمة الدولية منذ تأسيسها، وتأكيدًا لالتزام مصر بمواثيقها، التي تدعم حفظ الأمن والسلام الدوليين، والذي ترجمته الدولة المصرية بمشاركتها في عمليات قوات حفظ السلام الدولية التابعة للأمم المتحدة، حيث كانت أول مساهمة مصرية في عمليات حفظ السلام في الكونغو عام 1960، ومنذ ذلك الحين ساهمت مصر في 37 مهمة لحفظ السلام، بنحو 30 ألفا من ضباطها وجنودها بالجيش والشرطة، تم نشرهم في 24 دولة في إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية.

عناصر القوة تحركها الإرادة السياسية

ووفقًا لأدبيات العلوم السياسية، تعتبر قوة الدولة من العوامل التي تعلق عليها أهمية خاصة في ميدان العلاقات الدولية، وذلك بالنظر إلى أن هذه القوة هي التي ترسم أبعاد الدور الذي تقوم به الدولة في المجتمع الدولي وتحدد أطر علاقاتها بالقوى الخارجية في البيئة الدولية. والأكيد أن الجانب الاقتصادي والسياسي من المعطيات الرئيسية والمحورية في تشكيل الصورة الشاملة والمتكاملة للدولة شرط توفر جملة من المقومات التي يتم فيها التنسيق والتكامل بين الجانبين.

وقوة الدولة ليست التأثير، وإنما القدرة على التأثير، وتستند هذه القدرة على امتلاك الدولة إمكانيات (خصائص، موارد، قدرات، مؤسسات) معينة تشكل مقومات القوة القومية التى تمكنها من التأثير على سلوكيات الدول الأخرى فى الاتجاهات التي تحقق مصالحها، كالمساحة الجغرافية، وعدد السكان، والموارد الطبيعية، والقدرات الإقتصادية، والقوة العسكرية، والبنية التكنولوجية، والفعاليات الثقافية، والمؤسسات السياسية، وغيرها.

لكن على الرغم من أن هذه الإمكانيات المتداخلة تشكل فى مجموعها عوامل القوة الشاملة لأي دولة، فإن هناك اختلافات أساسية فيما بينها، ترتبط باعتبارات عملية، تتصل بقدرة القيادة السياسية على استخدامها في عملية التأثير، خاصة خلال المواقف التي يتعرض فيها أمن الدولة أو مصالحها الحيوية لتهديدات أو ضغوط حادة من الخارج.

ويتحكم في فاعلية أدوات وعناصر ومقومات قوة الدولة، الإرادة السياسية الساعیة للارتقاء بقدرة الدولة عبر استثمار عناصر القوة المادیة بشكل سلیم یخدم الأهداف الإستراتیجیة للدولة، فالإرادة تولد الرغبة في العقل، وتعبر عن المصالح الوطنیة، وتسبق القدرة التي تمثل العمل، وتعكس الإستراتیجیة التي تتضمن الأهداف العلیا للدولة، بذلك تكون الإرادة جوهر الفعل الحقیقي، فهي مكمن القدرة وتأثیرها، ذلك أن الإمكانات والموارد المتاحة للدولة لا تتأكد قدرتها إلا في ظل إرادة واعیة محركة لها.

وبتطبيق هذه العناصر على الحالة المصرية، فإن الرئيس السيسي استطاع بنجاح أن يوظف أدوات وعناصر ومقومات قوة الدولة المصرية أفضل توظيف في تحقيق المصالح العليا للدولة والتأثير في مواقف الدول العربية والإقليمية والدولية بما يعود بالنفع والمصلحة على الدولة المصرية.

فإذا كان ملف الإرهاب وسبل مواجهته بات من الملفات التي تؤرق كل دول العالم، فإن مصر بقيادتها السياسية ومن خلال انتخابها للمرة السادسة كعضو غير دائم في مجلس الأمن، ورئاستها للجان ثلاث داخله أهمها مكافحة الإرهاب، قد نجحت في إثارة هذا الملف على المستوى الدولي ووضعت خطة مع الأمم المتحدة واستراتيجية للتعامل مع الأفكار الداعمة للإرهاب، وطالبت بضرورة اجتثاثه.

ومن خلال ترؤسها للجنة مكافحة الإرهاب، سلطت مصر الأضواء على الدور القطري الداعم للإرهاب والتطرف بالمنطقة، عبر مندوبها الدائم لدى مجلس الأمن، السفير عمرو أبو العطا، الذي أكد أن الالتزام بالأحكام والقرارات يفرض على مصر كشف ممارسات وأنشطة قطر، التي تقدم الدعم المالي والأيديولوجي للجماعات الإرهابية.

وخلال لقاءات مهمة أجراها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى نيويورك مع عدد من الشخصيات المؤثرة بالمجتمع الأمريكي، ضمت عددًا من الوزراء والمسئولين والعسكريين السابقين، وذلك على هامش مشاركته فى أعمال الدورة 72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أكد الرئيس السيسي أن مصر تخوض حربًا ضارية ضد الإرهاب، وأنه يجب التعامل مع كل التنظيمات الإرهابية دون تمييز، حفاظًا على الدولة الوطنية، مشددًا على أنه حان الوقت للتصدي بفعالية لكل الأطراف الداعمة للإرهاب، وأنه على قطر إظهار رغبتها فى عدم الإضرار بمصالح الدول العربية وعدم التدخل فى شئونها الداخلية من خلال التجاوب مع الدول الأربع: مصر والسعودية والإمارات والبحرين.

وحدد الرئيس السيسي أربعة ركائز مهمة لمواجهة الإرهاب مع ضرورة أن يتعامل معها المجتمع الدولي بمنهجية شاملة وتشمل: مواجهة التنظيمات الإرهابية دون تمييز، والتعامل مع أبعاد الإرهاب كالتمويل والتسليح والدعم السياسي والأيديولوجي، والحد من قدرة التنظيمات الإرهابية على تجنيد مقاتلين، والحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية في المنطقة.

تعزيز الرؤى المصرية

أما بشأن القدرة على تعزيز الرؤية المصرية في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، يؤكد المحللون أن مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي للمرة الرابعة منذ توليه الحكم في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلقاء خطابه أمامها، يعزز من تقديم رؤية مصر في عدد من الملفات الإقليمية والدولية، وخاصة في ملف الإرهاب، فإذا كانت الملفات الاقتصادية وخطط الإصلاح الاقتصادي والتقدم في التشريعات وإبراز المشروعات القومية، أهم الملفات التي عرضها الرئيس السيسي في المرات الثلاثة السابقة، فإن قضية الإرهاب التي تخوض مصر حربها ضده، اكتسبت أبعادًا دولية مهمة في الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.

كما أن الرؤية المصرية بشأن قضايا التوتر والنزاع في الشرق الأوسط باتت واضحة ومحددة المعالم، إذ يؤكد الرئيس السيسي ضرورة دعم حلول سياسية تحافظ على وحدة ليبيا ودعم مؤسساتها والحفاظ على قواتها المسلحة وحدة واحدة، ودعم حلول سياسية تحافظ على وحدة الأراضي السورية، والتأكيد على الدعم للحكومة الشرعية في اليمن وتأمين حركة الملاحة بمضيق باب المندب، ودعم العراق ومؤسساته الوطنية فى مواجهة التنظيمات الإرهابية، والتأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية الداعي لإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

وفى إطار الدور التاريخي لمصر فى القضية الفلسطينية، توجت الجهود المصرية بحل أكبر إشكالية فى الانقسام الفلسطينى والمتعلقة بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة وغل يد الحكومة الفلسطينية عنها.. فبعد مفاوضات مستمرة بالقاهرة أعلنت حركة حماس عن حل حكومتها في قطاع غزة التي كان اسمها "اللجنة الإدارية"، ودَعَت حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله ومقرها رام الله للقدوم إلى القطاع لممارسة مهامها.

وأعلنت حماس أيضا موافقتها على إجراء انتخابات عامة..كما وافقت على الدعوة المصرية للحوار مع حركة فتح حول آليات تنفيذ اتفاق القاهرة 2011 وملحقاتها، وتشكيل حكومة وحدة وطنية في إطار حوار تشارك فيه الفصائل الفلسطينية الموقعة على اتفاق 2011 كافة.

وأكد السفير الفلسطيني بالقاهرة جمال الشوبكى أن ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس متابع من قبل الجهات المصرية العليا، وفي مقدمتها الرئيس عبد الفتاح السيسى؛ باعتبار أن مصر هي الوسيط والضامن لمشروع المصالحة.

يبقى القول إن الرئيس السيسي استطاع توظيف أدوات وعناصر ومقومات الدولة المصرية بتاريخها الحضاري العريق في المحافل الدولية، بما يحقق المكانة اللائقة لمصر ودورها الإقليمي والدولي، وقد اكتست كل هذه العناصر بالإرادة السياسية المقترنة بالوعي والمستندة إلى المعرفة والمؤطرة بالخبرة والتجربة.

فالإرادة السياسية هي المحرك الرئيس لكل عناصر قوة الدولة، وهي ضرورة لتغيير الواقع وبناء المستقبل، وفي رسم استراتيجيات السيادة والأمن والتنمية، وتكون الإرادة السياسية نتاجا لتكامل الجهود المؤسسية للدولة وفق رؤية معمقة يتبناها صانع القرار.