عاجل
السبت 18 مايو 2024

«طلعت حرب».. أمل الاقتصاد المصري

الميزان

«فليبق بنك مصر.. وليذهب ألف طلعت حرب» هذه المقولة التي قالها الاقتصادي الوطني قبل أن يفارق الحياة، أخر كلمات رجل آثر أن تكون فلسفته فى الحياة هى أن تقود ولا تنقاد، تفعل ولا تنفعل، تخلق بالعمل والفكر شمسًا تبدد ظلمات اليأس، وتضيء لمن خلفك طريقًا للنجاح.. فنجح، وصار لمن خلفه آية فى الإنجاز الفائق.


بدأ طلعت حرب صناعة نموذج اقتصادي مختلف، جعله واحدًا من رواد الأعمال، كما تبحث عنه مصر في لحظتها المفصلية الراهنة، مصر كلها الآن تراهن على قطاع خاص قادر على قيادة الاقتصاد نحو البر، وقطاع مصرفي يستطيع مواجهة التحدي، يحافظ على مستوى مرتفع لإقراض الصناعة.


نجح طلعت حرب في تحويل الاقتصاد الفردي إلى الاقتصاد الذي تديره شركات المساهمة، وإلى المشروعات الضخمة التي يملكها الوطنيون ويديرونها ويوجهونها للصالح الوطني المصري العام، ومن الورش الصناعية الصغيرة إلى مصانع المحلة الكبرى للغزل والنسيج التي تشغّل مدينة بكاملها.


تعتبر مسيرة طلعت حرب أولي وأهم المحطات للاقتصاد المصري، فقد وضع، بعبقرية اقتصادية نادرة، الاقتصاد المصري على بداية المسار الصحيح، في وقت كان فيه الأجانب يحتلون مصر بالكامل، ويسيطرون على مناحي الاقتصاد كافة.


حياته


ولد محمد طلعت بن حسن محمد حرب في 25 نوفمبر 1867 بقصر الشوق في حي الجمالية بالقاهرة.


ولم يكن على درجة من الثراء أو الغنى فكان والده من موظفي السكة الحديد، وأنهى طلعت تعليمه الثانوي بمدرسة التوفيقية بالقاهرة، ثم التحق بمدرسة الحقوق والإدارة واشتغل مترجما بالقسم القضائي "بالدائرة السنية"، وهي الجهة التي كانت تدير الأملاك الخديوية الخاصة، ثم انتقل مديرا للمركز الرئيسي بالقاهرة لشركة "وادي كوم أمبو".


وانعكست المصاعب المالية التي واجهها الأب على آراء الابن الاقتصادية، ونوعية المشاريع الاقتصادية التي كان يرى فيها خلاصا لمواطنيه وبلده.


أولى خطواته الاقتصادية


في منتصف عام 1905 عُين مديرا لشركة العقارات المصرية، وتعتبر هي المرة الأولى التي يتولى فيها مصري منصبا على هذه الدرجة من الأهمية، في شركات يملكها ويديرها ويسيطر عليها الأجانب، وعلي الرغم من الخلافات التي كانت بين طلعت ومصطفي كامل إلا إن مصطفي كانل هنئه في جريدة الأهرام علي منصبه.


وقرر طلعت حرب إنشاء شركة مالية مختصة بالأعمال المصرفية الصغيرة "شركة التعاون المالي"، وأهم ما قامت به الشركة هو تقديمها الكثير من القروض لأصحاب الأعمال الصغيرة في القاهرة عندما كان الإفلاس يتهددها، وأوكل طلعت حرب إلى صديقه فؤاد سلطان مهمة إدارتها، وتفرغ لما هو أكبر من هذه الشركة، وهو حملة الدعوة إلى تأسيس شركة مساهمة كبرى لبنك مصر.


إنشاء بنك مصر


علي الرغم من أن الأجانب الذي كانت لهم القدرة على إنشاء بنوك في مصر منذ مجيء محمد علي، وفقا لنظام الاحتكار السائد والذي لم يسمح بظهور ثروات كبيرة بين المصريين.

وفي ظل هذه الاحوال الإقتصادية المتدهورة والأصوات المكتومة ناحية انشاء إقتصاد مصري حر، كان يعلو صوت طلعت حرب هو الصوت الاقتصادي الذي رأى أن الأمل الوحيد يكمن في تحرير اقتصاد مصر بواسطة إنشاء بنك مصري برءوس أموال مصرية صرفة، وأخذ يطوف القرى والنجوع داعيا لإنشاء بنك مصر. ولم ييأس من أصوات السخرية والاستهزاء التي طرأت حينها لتقتل أمله، وأقنع محمد طلعت 126 من المصريين الغيورين بالاكتتاب لإنشاء البنك، وبلغ ما اكتتبوا به 80 ألف جنيه، وهو رقم ضخم وقتها.

وبدأ بنك مصر في إنشاء شركات وكانت أولها شركة "مطبعة مصر" برأسمال 5 آلاف جنيه، وآخذ رأسمالها في الزيادة حتى أصبح 50 ألف جنيه، وأنشأ شركة "مصر للغزل والنسيج" في أغسطس 1927 بالمحلة الكبرى برأسمال300 ألف جنيه، ووصل إلى مليون جنيه عام 1936.

وبدأ في افتتاح فروعا للبنك في أهم الأحياء التجارية بالقاهرة.ولم يرد طلعت حرب أن يقتصر علمه داخل القاهرة إلا أنه رأي الاقتصاد الحقيقي يجب أن يشمل جميع الدولة لذا قام بإنشاء فرع لبنك بالإسكندرية.


ولم يتوقف طموح طلعت حرب أن يقف اقتصاده على مصر بل أراد أن يكون للإقتصاد المصري وزن عالمي، وقرر إنشاء فرع لبنك مصر في فلسطين، ولكن لم يتحقق بسبب تهديد اليهود المصريين وقتها بسحب أموالهم المودعة في بنك مصر حين سمعوا بعزم طلعت حرب إنشاء بنك مصري فلسطيني في فلسطين، إلا ان هذا لم يوقف طلعت حرب للخروج من أرض الكنانة، فقام طلعت حرب بإنشاء فرع لبنك مصر سوريا لبنان الذي افتتح في يناير 1930.


كما كان لبنك مصر وجود في المملكة العربية السعودية، حيث ساهم في إقامة فنادق في مكة وجدة وتمهيد الطرق بين مكة وجدة وإقامة نظام للبرق، وتوفير سيارات الأجرة لنقل الحجاج برا.وأهم ما قام به كان تثبيت سعر الريال السعودي؛ لحماية الحجاج من جشع الصيارفة، وذلك بعد أن اتفق طلعت حرب مع الملك عبد العزيز آل سعود على ذلك.

تنمية الاقتصاد

شركة مصر للنقل البري التي قامت بشراء أول حافلات لنقل الركاب، وقامت الشركة بشراء الشاحنات الكبيرة لنقل البضائع من الموانئ كما، أنشأ البنك شركة مصر للنقل النهري ثم شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى واستقدم طلعت حرب، خبراء هذه الصناعة من بلجيكا وأرسل بعثات العمال والفنيين للتدريب في الخارج. كما أقام مصنعا لحلج القطن في بني سويف، وأنشأ البنك مخازن لجمع القطن في كل محافظات مصر.


وتواصلت عطاءات طلعت حرب فأنشأ شركات مصر للملاحة البحرية، ومصر لأعمال الاسمنت المسلح، ومصر للصباغة، ومصر للمناجم والمحاجر، ومصر لتجارة وتصنيع الزيوت، ومصر. للمستحضرات الطبية، ومصر للألبا نوالتغذية، ومصر للكيمياويات، ومصر للفنادق، ومصر للتأمين، كما أنشأ طلعت حرب شركة بيع المصنوعاتالمصرية لتنافس الشركات الأجنبية بنزايون - صيدناوي وغيرهم.


وسعى طلعت حرب لإنشاء شركة مصرية للطيران إلى أن صدر في 27 مايو 32 مرسوم ملكي بإنشاء شركة مصر للطيران كأول شركة طيران في الشرق الأوسط برأس مال 20 ألف جنيه، وبعد عشرة أشهر زاد رأس المال إلى 75 ألف جنيه، وقد بدأت الشركة بطائرتين من طراز دراجون موت ذات المحركين تسع كل منها 8 ركاب، وكان أول خط من القاهرة إلى الإسكندرية ثم مرسى مطروح، وكان الخط الثاني من القاهرة إلى أسوان. في عام 1934 وكان أول خط خارجي للشركة من القاهرة إلى القدس.