عاجل
الأربعاء 22 مايو 2024

قروض الجامبو


يطلق لفظ الجامبو عادة على الأشياء ذات الحجم الكبير ليضفي عليها صفة الضخامة، فطائرات الجامبو تسمى بهذا الأمر نظرًا لأنها تستوعب عددا أكبر من المقاعد للركاب، كما تسمى بعض أنواع الجمبرى بالجامبو لأنها كبيرة الحجم.

وفى عالم البنوك والقروض ولاسيما القروض العقارية أو قروض الرهن العقارى الأمريكية التى كادت تعصف بالنظام المصرفى العالمى الحديث والمعاصر، لولا تدخل الحكومات بضخ أموال أميرية ضخمة فى البنوك المتعثرة من أموال دافعى الضرائب الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى هذه القروض، وذلك لإنقاذ النظام المصرفى والائتمانى العالمى من إفلاس مؤكد.

 وتسببت قروض الجامبو فى العصف بمنظومة منح الائتمان على النحو الذى شهدته أزمة الديون العقارية فى الولايات المتحدة فى عام 2008 والتى تم تصديرها إلى العالم بأسره بواسطة السندات المورقة أو الـ CDOs.
وقروض الجامبو هذه عبارة عن القروض العقارية التى تتجاوز الحد أو السقف الحكومى المقرر لتمويل برامج الإسكان، وكان هذا السقف المقرر لتمويل العقار الواحد فى الولايات المتحدة فى حدود 400 ألف دولار تقريبًا، ولكن البنوك الأمريكية المقامرة تجاوزت هذا الحد بعدة أضعافه سعيًا وراء الربح مهدرة قواعد الإقراض الحصيف إلى أن تفاقمت وتفجرت الأزمة.

ويترتب على ذلك أن قروض الجامبو العقارية هى القروض التى تجاوز فى قيمتها السقف المحدد لإقراض العقار الواحد للفرد الواحد فى نطاق برامج تمويل العقارات والإسكان الحكومى، أى باختصار منظومة إقراض تمويل الإسكان الحكومية.

ولقد قامت البنوك الأمريكية والأوروبية بتجاوز السقوف الحكومية لبرامج تمويل الإسكان فى ذلك على الارتفاع المستمر فى أسعار العقارات، أى باختصار قامت بتمويل التضخم، وهذا خطأ فادح يتناقض مع  منطق الإقراض السليم الذى يجب أن يمول التكاليف.

 فالتمويل الجارى لمصنع يجب أن يركز على تمويل تكاليف الإنتاج أو الجانب الأساسى فيها وهو الخامات، كما أن تمويل عقار أو مسكن يجب أن تحتسب قيمته استناداّ إلى تكلفة تشييد العقار وليس على أساس سعر بيعه فى السوق، والذى يتضمن طبقات متعددة وتراكمية من التضخم، فضلًا عن ضرورة مساهمة المقترض بنسبة معقولة فى التكاليف التى تسمى المارج لضمان الجدية وتوزيع المخاطر.

 وراهنت البنوك الأمريكية والأوروبية فى تمويل قروض الجامبو العقارية المتجاوزة لسقوف برامج تمويل الإسكان الحكومى على فكرة تحويل المخاطر لطرف ثالث باستخدام آلية التوريق وذلك بتحويل أرصدة المحافظ الائتمانية لقروض الجامبو العقارية إلى سندات بضمان الرهون العقارية الرسمية المقيدة لصالح البنوك المقرضة على هذه العقارات مستخدمة فى ذلك سندات الدين المضمونة CDOs وهى اختصار الكلمات الإنجليزية التالية:
 COLLATRALIZED DEBIT OBLIGATIIONS وأصبح العقار الواحد موضوع قرض الجامبو ضامناّ لكل من البنك المقرض وحائزى سندات الدين المضمونة، وبضمان واحد هو العقار المرهون، وعندما توقف المدين عن السداد وتعثرت محفظة قروض الجامبو أصبحت سندات الدين المضمونة CDOs مجرد ورقة لا قيمة لها، لأن لا يمكن عمليًا أن يضمن ضمان واحد قرضين لدائنين مختلفين إلا إذا كانت قيمة الضمان فعلياّ أكبر من وتستوعب قيمة القرضين معاّ، ولكن ذلك الوضع لم يكن قائمًا، لأن أسعار العقارات فى السوق انهارات ولم تعد كافية لسداد نصف قرض واحد وليس القرضين، فضلًا عن مراتب الامتياز المقررة قانوناّ (رهن من الدرجة الأولى، ورهن من الدرجة الثانية) على الضمان، لذلك تواجه بنوك قروض الجامبو مطالبات قضائية من حائزى سندات الـCDOs لاتهامها بالتدليس الائتمانى والنصب على الحائزين حسنى النية لهذه السندات.